الحلقة الثانيه
في الحلقة الثانية من سلسلة حلقات أكتبها عن الأستاذ إسماعيل علي إسماعيل
بداية لا أشعر بأني أكتب بل أشعر بأني اختبئ خلف حروف أكتبها عن (الأستاذ )يراودني شعور بأني أستظل بسيرته من شمس هوان تسقط علي رأسي واصابت بشعاعها الحارق رؤوس جيل بأكمله .. أحس بأن سيرة الأستاذ بمثابة تكليف له للدفاع عن جيل تسلل اليه الهوان والخزلان واصابه الملل وكفر بعضه بعضاً حتي سللنا سيوفنا علي رقابنا فجذذنا جذورنا جذاً ..
سيدي الأستاذ هناك عظمة ما في شخصيتك لا يعلمها الكثير… تلك العظمة تتمثل في قدرتك علي أن تغادر المكان وأنت في قمة النجاح لا ضيم فهذا هو الفرق بين عامة الناس .. والرجال الاستثنائيين..إن حنينى للكتابة عنك بمثابة وعكة صحية لكاتب يقوم ويجلس ويقف ويتحرك ويتأوه من المفردات المزدحمة التي تريد نيل شرف الخروج لك فعندما تكتب عن مؤمن يكون أمراً عادياً أما الذين يبدو عليهم فائض من الإيمان مثلك والذي يبدور في وجهه وفي صفاته وفي تصرفاته وفي أقواله وأفعاله وجلساته ومواقفه وكرمه وشهامته ومروئته فهم غالبا ما يكونون قد ملأو انفسهم من الداخل بالإيمان ليعرضوا كل إيمانهم في الواجهه لنقوم نحن بسردها والتعلم منها والإقتداء بها.
أوليس كل هذا كفيل بأن يجعلني حينما أكتب عنك . أكتب وكأني في وعكة صحية ؟ فالإيمان بالمبادئ والأخلاق عندك كالحب عاطفة سرية تعيشها وحدك في خلوتك الدائمة مع نفسك لهذا حصلنا أيضا علي طمأنينتنا السرية وكنت درعنا السري وهروبنا السري الى عمق أخلاقك لتجديد طاقتنا عند الألم من قسوة مجتمع مهلهل القيم والمبادئ الا قليلاً مما درس في مدرستك الأخلاقية حقاً عشت مؤمناً بأنه لا يمكن أن تتصالح مع كل الأشخاص الذين يسكنوك وأنك لابد أن تضحي بأحدهم ليعيش الآخر فضحيت بنفسك أنت ليعيش الباقون في وهم القمة وفي صمت وبوقار رحلت ..
الحلقة الثانيه
المروءة التي تكسوك تجلت ظاهرة في صفاتك الأصيلة والدائمة وهي العفاف، وإصلاح الحال، وحفظ الأهل، وإعانة الجيران وأثبتت لنا عبر تاريخ ناصع البياض أن الأخلاق ليست أن تكون صالحاً فحسب، بل أن تكون صالحاً لشيءٍ ما …يهجم الآن علي ذاكرتي بيت شعر أراد أن ينال شرف الكتابه عنك مع قلمي المكسور ويحتفل مع باقي حروف الحلقة الثانية رقصاً وطرباً يقول فيك ولك الشاعر
المرء بالأخلاق يسمو ذكره، وبها يفضّل في الورى ويوقّر
موقفي الصغير وسط ملايين المواقف الإنسانية لك أحداثه عندما مات أبي وكنت اترنح مابين الحادية عشر والثانية عشر من العمر وأميل قليلاً في الترنح الي الثانية عشر كانت علاقة أبي بالأستاذ علاقة مميزة (الأستاذ وحده يستطيع سردها) أما في عين طفل مثلي كنت أري سعادتنا كلنا عند حضور الأستاذ الي بيتنا وهذا ما استطيع سرده وفقط ..
عندما مات أبي تطلب الأمر انهاء الاوراق المتعلقة بالوفاة مثل الوصاية والمجلس الحسبي وأشياء أخري بالمحكمة ذهبت أنا وحبيبتي الأولي والأخيرة أمي الي المحكمة وكان من يتولي القضية محام آخر غير الأستاذ كان قد فرض علينا نفسه فرضاً وأنا كطفل صعيدي هواري كنت أرفض فكرة أن أمي تكون في الخارج من الأصل وليس في محكمة لكن الأمر ضروري ذهبت الي المحكمة واجلست حبيبتي خارج المحكمة توقيراً وتعظيماً لها وذهبت الي المحامي ووجدته في قاعة المحكمة فقال لي نصاً ” جبت الفلوس ” دمعة عشم فرت مني دون قصد وبردة فعل طفولية قلت له مع “أمي بره” فقال لي ” روح قولها هات الفلوس وإما نأجل الجلسه ” ذهبت مسرعاً ولم أعرف باب الخروج وأنا أهرول في أروقة المحكمة وجدت صوت أبي أقصد صوت الأستاذ كان صوت أبي اقسم علي ذلك ربت علي كتفي وكانت الدمعة قد انهارت و تحولت الي شلال من الدموع ” في ايه مالك سألني الأستاذ و بصوت متقطع أخبرته بصعوبة بما حدث تحرك بهرولة وأجلس حبيبتي في مكتب يليق بها وأحضر زجاجتين ( ميراندا ) مثلجتين سيظل طعمها في حلقي ودينهم في عنقي الي أن نقف أمام رب الأخلاق ..
أخذ الأستاذ الاوراق وعندما نطق القاضي اسماؤنا إذا به يضع الأوراق أمامه دون توكيل ودون نطق عبارة واحده وأنهي الأمر وعاد يعرض علينا توصيلنا للبيت في كنفه وحمايته ..