مع كل حادث إرهابى يعاودنى السؤال : ما الذى صنع هذه العقول الذى استحلت سفك دماء الابرياء باسم الدين ، واوغلت فى القتل والتفجير والتدمير واصحابها تنشق حناجرهم وهم يمارسون جرائمهم ويصرخون ” الله اكبر ” والله من ورائهم محيط والدين منهم برىء .
أننى مع معاناة الالم الذى يمزق القلب عقب كل حادث إرهابى يعاودنى السؤال المحير عن السبب فى موقف هؤلاء الإرهابيين التكفيريين الرافض والمتوجس من الآخر والمتعارض مع النماذج الدينية أو الحضارية أو الفكريةالأخرى ؟ وهو مايمثل اشكالية العقل الاسلامى السلفى التكفيرى .
هذا العقل صنعته المنظومة التراثية الفقهية ، ولم يصنعه النص المقدس قرأنا وسنة ، فالذى يقرأ فى مدونة التراث الفقهى ، تتأكد لديه هذه الحقيقة ، انظر على سبيل المثال المفهوم التراثى الفقهى ( مفهوم دار الإسلام ودار الحرب ) أن ذلك المفهوم يقسم العالم إلى قسمين متحاربين بسبب الدين إلى الأبد ، هو (مفهوم فقهي صرف ) ، لم ينشأ عن قراءة أولية لجوهر الدين أو روح النص القرانى أو نصوص الحديث الشريف ، بل نشأ فى المنظومة التراثية الفقهية ، ترجمة لواقع سياسى عسكرى قائم إبان الدولة العباسية ، وتقنينها لعلاقة الحروب التى كانت تخوضها مع الدولة البيزنطية آنذاك ، وهى ظاهرة سياسية إجتماعية ترتبط بتاريخ الدولة لا بجوهر الدين ولا بنص قرانى أو منطوق حديث شريف ، إلا انها تحولت على يد الفقه إلى حكم من أحكام الشريعة ، فى خلط واضح بين ماهو سياسى وما هو دينى ، أنه ( من خلال الفقه ) تم تنصيب التاريخ فى موقع النص المقدس ” قرأنا وسنة ” فحل محله فى تشريع ملزم يتناول أحكاما تفرض موقفا وعلاقات بين قسمين اوجدتهما المنظومة الفقهية التراثية ؛ قسمين متحاربين بسبب الدين إلى الأبد ( دار الإسلام ودار الحرب ) ان هذا الموقف صنعه ووضعه الفقه ، ولم يؤسسه النص ( الدين ) بل أنشأه التاريخ وقدمه الفقه حقيقة وحكما مطلقا أى مجردا عن ملابساته الظرفية والمناسبة التى تولد عنها .
من هنا نشأ الموقف المتوجس والرافض والمعارض للآخر وأصبح جزءا من بنية العقل الذى شكلته واحكمت صنعه على هذا النحو مثل هذا المفهوم .
وكمثال اخر من مدونة التراث الفقهي التى صاغت العقل السلفى : الحكم الفقهى ب ( تأبيد ولاية الحاكم ولو كان فاسدا ) هذا الحكم لا يمكن ان يؤسسه النص المقدس قرأنا وسنة ( الدين) لأنه يعارض اصول الدين ومقاصده وغاياته ، بل أسسته المنظومة التراثية الفقهية عاكسة أيضا لواقع سياسى ظرفى فى الدولة الأموية ليصبح الزاما شرعيا من الفقهاء وأصبح ذلك جزءا من بنية العقل السلفى .
وقل مثل ذلك عن ما رسخه . الفقه السلفى فى بنية هذا العقل من تأثيم المعارضة ولو كانت سلمية . ان ذلك وغيره ليس من جوهر الدين ولم يؤسسه النص المقدس
ان هذا العقل السلفى فى بنيته ومزاجه على السواء هو نتاج المنظومة التراثية الفقهية على مدى التاريخ الإسلامى ، فلا تتجنوا على الاسلام الرسالة ، ولا على النص المقدس .